القائمة الرئيسية

الصفحات

الموقع الرسمي للدكتور عبدالرزاق المصباحي

الباحث المغربي عبد الرزاق المصباحي: النقد الثقافي مضاد للهيمنة وداعم للاختلاف والتعددية/ حوار مع الدكتور عمر محضار/ جريدة القدس العربي

 




يعد الباحث والأكاديمي المغربي عبد الرزاق المصباحي واحدا من الأصوات البارزة في المشهد النقدي العربي، من خلال مجموعة من المؤلفات التي أثرت المكتبة النقدية، نذكر منها: «النقد الثقافي: من النسق الثقافي إلى الرؤيا الثقافية» (2014)، «الأنساق السردية المخاتلة: شعرية السرد، تذويت الكتابة، مركزية الهامش» (2017)، الذي يتناول السرد بمنظور جديد يعيد النظر في مركزية الهامش، وكتاب «النقد الثقافي: قراءة في المرجعيات النظرية المؤسسة» (2022)، الذي يقدم قراءة معمقة للمرجعيات النظرية التي أسست للنقد الثقافي. وكتابه الأخير: «الرواية والحدود: من التقاطبية الثقافية إلى الفضاء الثقافي» (2024)، الذي يطرح فيه رؤية نقدية جديدة للرواية العربية، معتمدا مفهوم «التقاطبية الثقافية» كأداة تحليلية لفهم الفضاءات الثقافية وتفاعلاتها داخل النصوص الروائية.
في هذا الحوار، يتناول المصباحي أبرز القضايا التي يطرحها كتابه الجديد، ويشرح كيف يمكن للنقد الثقافي، أن يكون أداة فعالة في تحليل الخطابات الأدبية والثقافية، وكيف يمكن للرواية أن تكون فضاء ثقافيا موسعا يتجاوز المكون التخييلي ليعكس قضايا اجتماعية وسياسية وثقافية معاصرة. كما يتطرق إلى أهمية تطوير النقد الثقافي وإمكانية إدماجه في المناهج الدراسية لتعزيز التفكير النقدي لدى الطلاب والأساتذة على حد سواء.
*ما الذي دفعك لتبني النقد الثقافي منهجا أساسيا في دراساتك؟ وكيف ترى العلاقة بينه وبين النقد الأدبي التقليدي؟
ـ النقد الثقافي بالنسبة لي مشروع حياتي، فهو استراتيجية نقدية للتفكير في الخطابات الثقافية والأدبية التي نستهلكها، دون الانتباه إلى أنها تشكل تصوراتنا وتؤطر سلوكياتنا. إنه أداة تحررنا من هيمنة الصور النمطية والتمثيلات الثقافية، سواء تلك التي رسختها المؤسسات الناظمة، أو التي بناها الآخرون عنا. النقد الثقافي مضاد للهيمنة والقسر، ومدخل للتأسيس للوعي الناقد المتسامي على مظاهر التنميط، وداعم للاختلاف والتعددية.
*اقترحت «تسوير النقد الثقافي بضوابط». ما هي أبرز هذه الضوابط؟ وكيف يمكن تطبيقها عمليا دون تقييد النقد الثقافي؟
ـ التسوير لا يعني تقييد أفق النقد الثقافي، بل تأطير توظيف المنظورات النقدية على نحو واع ومعلل. كثير من القراءات التي تدعي انتماءها إلى النقد الثقافي تختفي وراء فكرة «التكامل المنهجي»، لكنها تنتج قراءات في المضامين أو تحليلات مبسطة، لذلك اقترحت تسوير التعامل مع المنظورات النقدية بضوابط محددة، نضمن فيها أن القراءة الثقافية منضبطة منهجيا، وفي الوقت نفسه موسعة لممكنات القراءة والتأويل الثقافي. استندت في ذلك إلى جهود الناقد الثقافي الأمريكي دوغلاس كالنر، الذي أكد أن اختيار المنظورات ينبغي أن يكون حسب أهداف القراءة.
*تحدثت في الكتاب عن مفهوم «التقاطبية الثقافية» بوصفه أداة تحليلية، كيف يمكن لهذه الأداة أن تعيد تشكيل طرائق قراءة الرواية العربية؟
ـ مفهوم «التقاطبية الثقافية» يأتي في سياق تطوير أدوات النقد الثقافي، وهو مصطلح يقابل مفهوم «التقاطبية المكانية» في السرديات البنيوية. يتأسس على فرضية أن المكان/ الفضاء هو المحدد للهويات وصانع الرؤى، متجاوزا معنى البقعة الجغرافية. نراه عاملاً ثقافيا حاسما تتحرك فيه أنساق التمثيل الثقافي، التي تسبغ على الذات الجمعية صفات تعارض صفات الآخر. التقاطبية الثقافية يمكن أن تكون مدخلا لبناء فضاءات ثقافية تتخذ من المشترك الإنساني ركيزة للتعايش الذي يضمن الاختلاف والغيرية.
*وصفت الرواية بأنها «كون ثقافي موسع» يتجاوز المكون التخييلي. كيف يمكن أن تسهم هذه الرؤية في تطوير النصوص الروائية المعاصرة؟
ـ الرواية خطاب ثقافي وتخييلي يجمع بين الحاجة الجمالية والكون الثقافي الموسع. هي جنس يمكن أن ينضد أنواعا وخطابات مختلفة في بنيته، بما يمكن من «الرد الثقافي» حول قضايا سياسية واجتماعية وثقافية. الرواية تحفل بمناقشة القضايا المعقدة، التي تعيد بناءها ضمن نسق تخييلي مشابه للواقع. في كتاب «الرواية والحدود»، اشتغلت على روايات مثل «القوس والفراشة» لمحمد الأشعري، و»سيدة المقام» لواسيني الأعرج، و»ساق البامبو» لسعود السنعوسي، وحرصت على التنويع في منظورات القراءة، بتوظيف السرديات والسيميائيات الثقافية.
*كيف تفسر التحول نحو توظيف التكنولوجيا والفضاءات السيبرنيطيقية في الرواية العربية؟ وهل يعكس ذلك تغيرا في وعي الكُتّاب العرب أو جمهور القراء؟
ـ التطور التكنولوجي واقع مؤطر لحياتنا، وصارت الفضاءات السيبرنيطيقية أساسية للعيش والتعبير. الرواية العربية لم تنتج بعد روايات تستسعف في حبكتها الموضوعات التكنولوجية، على عكس الرواية الغربية، خاصة الأمريكية، التي أصّلت لتوجهات مثل «رواية السايبربنك». وفي الكتاب توقفت عند رواية السايبربنك والرواية الديستوبية، مستهدفاً تقديمهما إلى القارئ العربي على نحو مختلف، ومقترحا مدخلاً يسترفد أدواته من تصورات دوغلاس كلنر وجان بودريارد.
*ما رؤيتك لتطوير النقد الثقافي كمنهج أكاديمي وتعليمي؟ وهل يمكن إدماجه بشكل أكبر في المناهج الدراسية الأدبية؟
ـ أرى أن النقد الثقافي يساهم في تعزيز الكفايات التبصرية عند أساتذة المستقبل، خاصة ما يتعلق بتعزيز المهارات الحياتية من تفكير ناقد. في مؤسسات تكوين الأطر التربوية، ساهمت في إدراج النقد الثقافي ضمن مجزوءات التكوين. كما اقترحت إدماج النقد الثقافي في القراءة المنهجية للنصوص في مادة اللغة العربية بالسلك الثانوي التأهيلي، والتقليص من هيمنة المنظور البنيوي.
*بعد إصدارك هذا الكتاب، ما هي القضايا أو النصوص التي تطمح إلى دراستها مستقبلاً من منظور النقد الثقافي؟
ـ أنهيت كتابا جديدا يهم تدريس القصة القصيرة في مناهج التدريس من منظور النقد الثقافي، وهناك مشروع آخر حول قراءة الرواية العالمية بوساطة أدوات النقد الثقافي، خاصة عبر تجريب موسع لمفهوم «الرؤيا الثقافية» الذي اقترحته منذ 2014. النقد الثقافي مشروع حياتي وأكاديمي، أسعى إلى تطويره منذ عشر سنوات، وأتابع القراءة في مستجداته، ولا أخشى من المغامرة العلمية المحسوبة في تجريب أدواته.

*باحث مغربي في البلاغة وتحليل الخطاب 

الرابط: حوار مع الدكتور عبدالرزاق المصباحي/ أجراه الدكتور عمر محضار/ القدس العربي/28 يناير 2025

تعليقات